يصوغ فيلم طفلة القمر الحائز على الجائزة الأولى لمهرجان البحر الأبيض المتوسط الخاصة بالأفلام التربوية لحظة وفاء وذكرى للتلميذة “عائشة الجابري” التي تحدت “طائرالموت”، وحولت شحنة صراعها مع الألم إلى أمل حققته بنجاحها في امتحان الباكالوريا الذي اجتازته وهي على فراش الغدر.
طفلة “أمل دنقل” الملحمية سفر سينمائي يستلهم النماذج الأسطورية التي رسخت قيم التحدي والصراع بين كل متناقضات الحاضر في سؤال الوجود الإنساني وجدواه، الصراع الذي استثمره مهندس الفيلم” البشير الجيراري”، للتحيز إلى ثقافة الاعتراف والذكرى وترسيخ نبل النماذج الإنسانية وقدرتها على التحدي وتجاوز النسيان الناكر والماكر، والتأكيد على استمرارية القيم والحضور الخالد للأرواح الطاهرة في الأمكنة التي عاشت فيها، وتجددها في الذوات التي اقتسمت معها لحظات الألم وشاركتها أوجاع التفوق على الموت وتأجيله إلى حين تحقق الأمل.
الفيلم يزخر بفرجة أدبية عميقة، وتتحكم في تخييله رؤية مهوسة بعشق الجمال والبحث عن الإبداع الذي يلهث وراء الوجود والخلود ، ويركز على نموذج الإنسان “الملحمي ” المتجدد عبر الأزمنة والأمكنة بتجدد المأساة والوجود والعبث في هذه الحياة ، تتحيز هذه الرؤية لسينما تجريبية تروج بقوة لتقاطع أشكال الإبداع وتشظيها صورة ولغة في حكي مركب ومنسجم ينبثق من ذوات الممثلين ليعانق ذات المؤلف المتوحدة مع ذات بطلته الملحمية عائشة الجابري . ويظل ” المؤلف السينمائي ” حاضرا في الخلف يستمتع بتجسد اختياراته الإنسانية والفنية مدافعا على القيم الكونية من خلال الأسطورة والقصة والشعر والكاميرا وتلامذته. وهي سينما عموما ألفها المشاهد مع مخرجين غير عاديين في عدة تجارب عالمية وأخرى لعرب من قبيل المصري الراحل يوسف شاهين والسوري محمد ملص وآخرين يشكلون ” الغائب” في الفيلم ويحضرون في انشغالات المؤلف وتراكماته المعرفية .
“طفلة البشير الجيراري” تجريب سينمائي يتجاوز ورشات السينما التربوية الهاوية والمبتدئة التي تركز على الأخلاقي في صوره النمطية التقليدية وتحوله إلى فكر دعوي يتوجه بشكل مباشرة إلى إطلاق الموعظة والعبرة وفبركة المواطنة بعيدا عن سؤال المعرفة والنموذج الثقافي الكوني والقيم الخالدة . إنه في نظري فيلم محترف بإمكانيات منعدمة كاميرا وتلاميذ ، يعري بشكل صريح أزمة الرؤية والفكرة في واقع السينما المغربية ويطرح أزمة اختيارها للموضوع ومستوى المشتغلين عليه في حقل الفن السابع.