Web Analytics
غير مصنف

من طنجة مثقفون يؤكدون قتامة واقع حرية التعبير بالمغرب

وجه صحفيون وفنانون انتقادات قاسية لواقع حرية التعبير بالمغرب، وأجمعت المداخلات، خلال الندوة التي نظمتها  حركة “الشبيبة الديمقراطية التقدمية” ليلة أمس الجمعة 08 يونيو 2018 بقاعة الندوات التابعة لنادي ابن بطوطة بطنجة، على أن الممارسة بعيدة كل البعد عن النص الدستوري على علاته، وأن الأفق في ظل التحولات التي يشهدها المغرب هو خنق حرية التعبير، وتحويل الحرية إلى مجرد قصائد مدح .

الندوة شارك فيها كل من عزيز إدامين الفاعل الحقوقي، والمخرجة المسرحية نعيمة زيطان، والرسام الكاريكاتوري عبد الغني الدهدوه، بالإضافة إلى الصحفي رشيد البلغيتي، في ما عرفت الندوة غياب الصحفي علي عمار، وذلك تحت عنوان “حرية التعبير بالمغرب بين النص الدستوري والواقع” .

إدامين : تم التضييق على الحرية حتى أصبحت المطالب “الخبزية” تقود إلى السجن

أولى المداخلات كانت للحقوقي عزيز إدامين الذي اعتبر أن “مجموعة من الحقوق التي جاء بها دستور سنة 2011 تم التضييق عليها أو خنقها من خلال القوانين التنظيمية”، وقال في هذا الصدد إن قانون “الحق في المعلومة” على سبيل المثال نجد فيه من التقييدات ما يجعلنا نصل إلى وصقع بأنه “قانون لمنع الوصول إلى المعلومة”، مشيرا إلى أن “هناك أيضا نصوص دستورية تنظم التوقيع على العرائض، لكن عندما ندقق في القوانين المنظمة للعرائض، سنجد أنفسنا وكأننا أمام قانون تنظيمي لمنع العريضة”.

وأضاف المتحدث أن السلطات عملت على “تقزيم دستور سنة 2011 بقوانين منظمة، فقانون مدونة الصحافة والنشر قيد حرية التعبير إلى أقصى الحدود، فقيل لنا إنه خالي من البنود السالبة للحرية، لكن في حقيقة الأمر تم تهريبها إلى القانون الجنائي، فأصبحت الممارسة الصحفية يتم تكييفها حسب الجرائم الموجودة في القانون الجنائي”، معتبرا أن “ما قدم باليد اليمنى سحب باليد اليسرى في ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير” .

الباحث أعتبر أن “الفصل 19 من دستور 96 ، لا زال قائما في دستور سنة 2011″، موضحا أن الذي “حصل هو أنه تم تفكيكه فقط بتقنية عالية، صحيح لم يبقى لدينا الفصل 19، لكن في المقابل أصبح للدولة مجال استراتيجي تتحرك فيه كما تشاء”، مؤكدا على أن “القوانين التنظيمية التي جاءت في ما بعد وسعت من المجال الاستراتيجي بشكل كبير”.

وفي معرض تشريحه لبعض فصول دستور 2011، قال إدامين “ربما دستور 2011 فيه نفحة حداثية ونفحة حقوقية، لكن الممارسة الدستورية لا زالت غارقة في التقليدانية، لا زالت غارقة في الأعراف، لا زال الفاعل السياسي ضعيف المبادرة، لأنه لا يوجد لديه ضوء أخضر من فوق، البيعة لم ينص عليها الدستور لكنها لا زالت حاضرة في الممارسة”، وخلص المتحدث إلى أننا “لا زلنا نشتغل بأدوات دستور 96، فلسفة وحكما ونظاما سياسيا، دستور 96 لا زال حاضرا بثقله على الفعل السياسي بالمغرب”.

وتأسف الفاعل الحقوقي على نقل “المعركة من المجال السياسي إلى المجال الاجتماعي، حيث أصبح اليوم التظاهر من أجل حقوق اجتماعية مشروعة غير ممكنة، لا يمكن التظاهر من أجل حقوق اجتماعية اليوم في المغرب، المطالب الخبزية أصبحت تؤدي إلى السجن، وهذا ما جرى في الريف وجرادة..كما أن الممارسة الصحفية أصبحت تؤدي إلى السجن كما حدث مع علي أنوزلا وحميد المهداوي وغيرهما كثير، لتقييد الفعل الصحفي والإعلامي” .

زيطان: من خلال الأوسمة التي توزع نعرف أي نوع من الفن يريدون

من جهتها قالت المسرحية  نعيمة زيطان إنها “لا تعتقد أن الفن يعتبر أساسي عند المواطن المغربي فهو يمكن أن لا يشاهد فلم لعام، كما يمكنه أن لا يقرأ كتاب لعامين”، ومن وجهة نظر المتحدثة “فالاحتياج للثقافة والفن بالمغرب نسبي”، متسائلة أن هذا الأمر ممكن جدا أن يكون قد تم ترسيخه من أجل إبعاد الفن عن المجتمع وهذا نقاش آخر”.

وأكدت زيطان أن “هذه الطريقة لا يمكن للفن أن يكون من خلالها مزعجا، أو يخلق بلبلة، ولا يمكن لجهة معين أن تخاف من هذه الوسيلة ديال التعبير”.

وعلى هذا الأساس، تضيف المخرجة المسرحية، لا داع لسن قوانين تحدد الخطوط الحمراء، مشيرة إلى أن “هناك رسائل تمرر، تعطينا فكرة عن أي نوع من الفن الذي يراد له أن يسود، وذلك من خلال الأوسمة التي تسلم،  ومن خلال دعوات الإفطار، ومن خلال تمثيلية المغرب في الملتقيات الدولية، كل هذا يجعلنا  نعرف نوع الفن ونوع الثقافة، التي يراد لها أن تكون بالمغرب”، مؤكدة على أن هذا لا يمنع من جهتنا، من إقامة فن وثقافة أخرى خارج ما تريد أن تفرضه علينا الرقابة غير المعلنة.

وأوضحت الفنانة التي سبق وأن منعت العديد من أعمالها أن “هناك رقابة تمارس بطريقة غير مباشرة، فمهرجان طاطا على سبيل المثال، غير مرغوب فيه، ويجب أن يقبر في تجربته الأولى قبل أن يتطور، وكما حدث مع مسرحية “ديالي”..”، معتبرة أن “مسوغات المنع تختلف، لكن النتيجة واحدة، إما محاربته اقتصاديا أو أخلاقيا والخطير هو استعمال الوازع الأخلاقي لتبرير المنع”، تقول زيطان.

وللإجابة عن سؤال، كيف تتم هذه الرقابة؟ تقول الفنانة إنها “تتم عن طريق المنع من القاعات العمومية بدون أن يتركوا آثارا، لدرجة أصبحنا نعرف أنفسنا فلا نذهب لوضع طلب قاعة،  حتى لا نضيع الوقت لأنه سيرفض، ففي النهاية سيقول لك القاعة عامرة حتى وان أعطيتهم عشرات الحلول” .

الدهدوه: السلطة ترفض سخرية الكاريكاتور

أما الفنان الكاريكاتوري عبد الغني الدهدوه فقد قال “إذا كان  الكاركاتور سيتناول مشكلة الأسعار والقفة، فلا حرج في ذلك، فأنت رسام بالنسبة للسلطة، لكنه يزعجها إذا تطور ومر إلى المجال السياسي”، معتبرا أن “أي بلد لا يوجد فيه رسامين، ينتقدون المجال السياسي هو بلد بعيد عن هذا الفن الراقي بالمفهوم الصحفي”.

وشبه المتحدث الفن الكاريكاتوري في الدول الديمقراطية “باللاعب الذي سيقذف كرة الخطأ، نحو الشباك دون حائط اللاعبين، في حين في الدول التي لا تقبل هذا الفن فإنها تضع حائطا طويل من اللاعبين، أمام اللاعب الذي سيقذف حتى لا يصوب مباشرة نحو الشباك”.

ومن مميزات هذا الفن ـ يقول الدهدوه ـ أنه يتوفر على العديد من المميزات، أبرزها النقد والسخرية”، مشيرا إلى أنه “من سوء الحظ أنهما متلازمان، فلا يمكن فصل النقد عن السخرية، مع العلم أن الدول المتخلفة، لا تقبل أي واحدة منهما، فالبنسبة للنقد فالسلطة تعتبر نفسها فوق النقد، أما السخرية فهي تعتبرها كارثة عظمى”.

وتساءل الفنان، لماذا ترفض السلطوية النقد؟ ليجيب، “لأن مشكلة المواطنة لم تحل عند الدول السائرة في طريق النمو، خاصة وأن رجل السلطة يعتبر نفسه سوبير مواطن، أي فوق المواطنة”، وأضاف ساخرا “أنت كرسام ليست لك مواطنة، لا حق لك في الانتقاد”، مشيرا إلى أن “السخرية تتجاوز مسألة النقد، هي سلاح حقيقي هدام، ولكن الهدم الذي نقصده هو الذي يتبعه إعادة الإعمار”.

وأضاف المتحدث “رغم أن المغرب جديد في فن الكاركاتور، إلا أنها تجربة لا يستهان بها، خاصة وأنه عرف مرحلتين، من الاستقلال إلى الآن”، المرحلة الأولى يقول الدهدوه “بدأت من الخمسينات إلى بداية التسعينات، لأنه في هذه الفترة ظهرت ما عرف بالصحافة المستقلة، وما تلاها من انفراج ضمن سياق معين”.

 المرحلة الأولى قال عنها أنه “كان الكاريكاتور محصور في طابعه الاجتماعي، ومع ذلك كان يمثل معاناة حقيقية لأن أي محاولة للخروج عن هذا الإطار يتم الاعتقال فورا، حيث كان أسلوب الرقابة فج”، مستدلا بما “حدث لفنان نشر رسما على جريدة الاتحاد الاشتراكي بداية الثمانينات اعتبر ساخرا، فتم تطويق المقر واعتقاله فورا”، مضيفا “أننا لا نعرف ماذا حدث في جلسة الاستنطاق، لكن الفنان لم يقترب من الريشة لمدة قاربت 17 سنة، استمر توقفه عن النشر من 1983 إلى سنة 98”.

أما المرحلة الثانية، حسب الدهدوه، فقد ظهرت مع الانفراج الذي عرفه المغرب نهاية التسعينات، حيث تم توجيه الانتقاد إلى السياسيين لكن في حدود، ولم يتجاوز الحكومة، حتى تحولت الحكومة في الفن الكاريكاتور المغربي إلى “حلبة الملاكمة”، ما عدا ذلك غير ممكن، مشيرا إلى أن “التدخلات التي حدثت كقضية ما عرف بـ “العمارية” كان هدفها “تحديد إطار اشتغال الكاريكاتور”.

البلغيتي: ضاق صدر السلطة فبحثت عن نصوص أضيق

الصحفي والمحلل السياسي رشيد البلغيتي اعتبر في آخر مداخلات الندوة التي عرفت حضورا متنوعا، أن “التحولات التي يعرفها المغرب، ارتباطا بحرية التعبير بمفهومها الأشمل والصحافة تعتبر جزء منه، غير مطمئنة بالمرة”.

وقال البلغيتي “الفكرة الدستورية في المغرب جاءت لتشرعن سلطة خارج التعاقد، ضد التعاقد، ولا تنتصر للتعاقد، وقد تعطى أحيانا لبوسا سماويا لممارسة دنيوية”، من هنا يضيف أن “الحاكم يتعامل بمنطق سلط عديدة، فكل محاولات تعديل الدستور لم تنتصر لفكرة التعاقد، ولم تنتصر لفكرة ضمان الحريات بما فيها حرية الرأي والتعبير”.

وزاد المتدخل “أن منطق الدولة سنة 2011 كان أن تستمع لكل العروض الموجودة في الشارع، وأن تقدم لهم عرضا دستوريا سَمَّتهُ دستورا مساندا للحريات وليس ضامنا لها، دستورا ينتصر لعبارات هلامية، يقول ما بين الفصل وأخيه الشيء ونقيضه، بنوده حمالة أوجه، وبعد ذلك تم إفراغ النصوص الدستورية من محتواها عن طريق القوانين التنظيمية”.

واعتبر البلغيتي “أنه وفي ظل الدستور الذي أعطي، وفي ظل مدونة الصحافة والنشر التي صودق عليها بكل أعطابها، ضاقت السلطة وضاق صدرها، وأمام ضيق صدرها يجب أن تبحث عن نصوص قانونية أضيق، كي تحد من هذه الممارسة رغم هشاشتها”.

وأكد على أن هذه “النية ظهرت من خلال الحديث عن ضرورة إقرار قانون مرتبط بالأخبار الزائفة، مع العلم أن هذه الأخبار الزائفة مجرمة بمدونة الصحافة والنشر الموجودة اليوم”، مشيرا إلى أن “الدولة تفكر أو تقترح أو تهدد بهذا القانون في سياق مرتبط بأكبر تعبير عن رأي عبر عنه المغاربة جماعة،  في ما يرتبط بمقاطعة مواد تجارية قالوا إن أسعارها غالية، وبالتالي نرفض من خلالها كل السياسات الاجتماعية الظالمة في البلد”.

وأشار المحلل السياسي إلى أن “التعبير عن الرأي جر الشباب المعبر عن الرأي بالنواصي والأقدام، إلى السجون متابعين بملفات وقوانين سرليالية”، فملفات الحسيمة اعتبرها المتحدث “ملفقة تهدد وتعاقب هؤلاء بسبب تعبيرهم عن رأيهم”، مضيفا أنه “عندما خرجت مدينة جرادة مصحوبة بالأعلام الوطنية وبصور الملك جر شباب الحراك إلى المحاكمات والسجون لمعاقبتهم على التعبير عن رأيهم بالفضاء العام”.

وخلص البلغيتي إلى أن “السلطة أرادت أن تقول للجميع، مبغيناش لينتقدنا، مبغيناش ليشاركنا في الفضاء العام، مبغيناش ليزاحمنا، مبغينا حد يدير التحقيق، مبغينا حد يدير الربورطاج، ولي دار هدشي غد نقلبولوا على مسوغات لكي نخنق شعب الإجماع لنحول رأيه في التعبير إلى مجرد قصائد مدح”.

اظهر المزيد

Chamal Post

شمال بوست (Chamal Post | CP) موقع قانونيّ مسجّل تحت رقم 2017/06 جريدة بشعبة الحرّيّات العامّة بالنّيابة العامّة للمحكمة الابتدائيّة بطنجة بظهير شريف رقم 122.16.1 / قانون 88.13 المتعلّق بالصّحافة والنّشر 2013-2022
زر الذهاب إلى الأعلى