عبد اللطيف المودن يكتب..مهمة في تندوف -الجزء 1-
الحاج امبارك الرگيبي من مواليد و قاطني مدينة العيون كبرى حواضر الصحراء الجنوبية للمغرب، له من الأبناء أربعة: ثلاثة ذكور و بنت واحدة، اثنان من الذكور متزوجان احدهما يشتغل بمدينة اگادير و الآخر بمراكش، و البنت ايضا متزوجة و تقطن بمدينة بوجدور. اما الابن الأصغر فلازال عازبا من مواليد الثمانينات يقوم بتسيير ضيعة للجمال خارج مدينة العيون تعود ملكيتها لوالده، هذا الأخير له أخ اصغر منه يقطن بمخيمات تندوف مع المحتجزين هناك، له هو الآخر من الأبناء أربعة: اثنان من الذكور احدهما يشتغل في التهريب ( كالمواد الاساسية التي تأتي عبارة عن مساعدات للاجئين في المخيمات او قطع غيار السيارات من موريتانيا) و اسمه السالك ، و الاخر ضابط في الطيران الحربي كان قد أكمل دراسته في اسبانيا قبل ان يعرج على كوبا للقيام ببعض التدريبات اسمه غالي . اما البنتان فواحدة متزوجة بموريتاني و الاخرى عازبة تعيش مع والديها و اسمها اميناتو. لم يسبق لهذين العائلتين ان التقيتا منذ بدء نزاع الصحراء.
هذا النزاع المفتعل الذي طال أمده بسبب تعنث المحتضن و هو ما حرم العديد من العائلات من احياء صلة الرحم فيما بينها. و في ظل هذه الوضعية صدر قرار أممي إنساني تشرف عليه المينورسو التي تسهر على وقف إطلاق النار منذ مطلع التسعينات يقضي بالسماح للعائلات تبادل الزيارات فيما بينها.
أخ الحاج امبارك الرگيبي المتواجد بمخيمات تندوف و المسمى الحسين دفع طلبا للاستفادة من هذا الإجراء الجديد كي يتمكن من زيارة أخيه بمدينة العيون و إحياء صلة الرحم معه، و قد قوبل طلبه بالاستجابة حيث شد الرحال هو و زوجته و ابنته اميناتو نحو عاصمة جنوب المغرب بالطائرة ، وجدوا في انتظارهم بالمطار الحاج امبارك و زوجته و ابنهما أيمن.
كانت لحظة لا توصف اختلطت فيها الدموع بالرمال الصحراوية التي تتطاير مع الرياح.
الحسين القادم من المخيمات كان يبدو و كأنه أكبر سنا من أخيه الحاج امبارك بفعل الظروف القاسية التي يعيشونها جنوب غرب الجزائر، في حين اخوه لازال يحضى بصحة جيدة منعت التجاعيد من اقتحام وجهه كأخيه، كانت فرحة الجميع بهذا اللقاء جد جد كبيرة جعلتهم يعانقون بعضهم اكثر من مرة ، و قال لهم أيمن بعد أن رأى الدموع و الرمال قد لعبت بكحل العينين و المساحيق القليلة التي تضعها ابنة عمه: هل سنضل هنا ؟ لنكمل الحديث في المنزل.
فخرجوا كلهم و ركبوا في سيارة رباعية الدفع يمتلكها أيمن، و طيلة الطريق بين المطار و المنزل ضلت اعين كل من الحسين و زوجته و ابنته منصبة و محدقة خارج زجاج نوافد السيارة باندهاش كبير للوضعية التي أصبحت عليها المدينة ، كانوا ينظرون الى الشوارع النقية و الى البنايات و مساحات التنزه و ينظرون من حين لآخر لبعضهم البعض و كأن خواطرهم تتخاطب ذهنيا و تقول: هل هذه هي العيون التي يصورونها لنا على انها مدينة منكوبة و بؤرة للاحتجاج؟ أين منازل الطوب التي نسكتها من هذه البنايات الجميلة و هذه الشوارع الواسعة و النقية و هذه المياه التي تسقى بها الأشجار و العشب الاخضر و الورود.
يتبع…….