Web Analytics
أخبار الشمال

كمونة “تلا رواق”

كنت مدعوا نهاية الأسبوع الماضي للمساهمة في تخليد الذكرى الثالثة لانطلاق معتصم فلاحي تلا رواق بمنطقة “إساگن”. ولم تمنعني سوى انشغالات مهنية، فقد كنت متحمسا للحضور مع هؤلاء الفلاحين، الذين يشبهون كثيرا فلاحي المنطقة التي انحدر منها.

الأستاذ خالد البكاري

فقد ولدت قريبا من قمة جبل تدغين، صحيح اني لا أذكر شيئا عن بداياتي بمنطقة تمروت، فقد هاجرت الأسرة باكرا نحو مدينة طنجة، لكني اتذكر انه خلال العطل الصيفية حين كنا نسافر “للجبل”، ان العديد من ساكنة مدشرنا كانت تحضر السوق الأسبوعي :”خميس إساگن”،، كنا ولازلنا قريبين من تلا رواق، الفرق بيننا هو الانعطاف يمينا او يسارا بحسب هل القدوم من الحسيمة ام من طنجة.

تبدأ مأساة فلاحي تلا رواق مع حكم صدر في ثلاثينيات القرن الماضي يفيد احقيتهم في أرض للجموع تصل مساحتها لحوالي 500 هكتار، هذه الأرض ظلت محل أطماع نافذين منذ الاستقلال، وحتى يومنا هذا، بسبب موقعها الاستراتيجي، إذ هي عبارة عن منبسط بانورامي تحيط به أشجار الأرز، ويتوفر على منابع مائية مهمة، موقع يغري باستثمارات سواء فلاحية او سياحية.

في ستينيات القرن الماضي أنشأت الدولة في إطار مشروع “ديرو” تعاونية الفتح على هكتارين من مساحة هذه الأرض الجماعية، وقد اقنعت الدولة الساكنة بالمنافع التي يمكن أن تجنيها من هذا المشروع، الذي يهم خلق تعاونية نموذجية، ستساهم في تطوير الأبحاث حول افضل السبل الممكنة لتجويد فلاحة المنطقة.

لكن أطماع المتنفذين ستكبر، كانت التعاونية فقط طعما للاستيلاء على اراضي الفلاحين البسطاء، وفي عمل لا يمكن وصفه سوى بالنذالة، سيستغل هؤلاء غياب اغلب فلاحي المنطقة للمشاركة في المسيرة الخضراء، ليستولوا على مساحات شاسعة أخرى تحت حماية السلطات، في تلك السنوات التي كان فيها مجرد الاحتجاج على ابسط مسؤول يكلفك غاليا.

كبرت مأساة الفلاحين،. انطلق نضالهم، سواء الميداني منه احتجاجات ومسيرات ووقفات، او عبر اللجوء للقضاء.
لكن هؤلاء النافذين سيستغلون مرة أخرى أحداث 1984 ليزجوا بمتزعمي الاحتجاجات في السجن، عبر محاضر مفبركة، تجعل من المعتقلين محرضين على العصيان والتخريب.

اما خلال التسعينيات فستصدر مذكرات بحث في حق عدد كبير من فلاحي المنطقة انطلاقا من شكايات كيدية تفيد متاجرتهم في المخدرات، فيما انتقلت ملكية الأرض في ظروف غامضة من يد ليد، حتى أصبحت في ملكية شركة إماراتية، كما نجد في تقرير انجزه جابر الخطيب احد الذين اهتموا بهذا الموضوع.

انتقال ملكية الأرض في ظروف غامضة للشركة الإماراتية، سيؤجج الوضع اكثر، وسيبرز هنا دور الطالب اليساري صالح لشخم، الذي قام بدور كبير في تنظيم صفوف الفلاحين، وقيادة الاعتصام الذي انطلق سنة 2016 قبل حراك الريف،

كانت نضالات صالح لشخم ورفاقه الفلاحين تعاني من تهميش على مستوى الإعلام، رغم أنها تجربة رائدة في نضال الفلاحين، ولم تستفد من دعم أحزاب اليسار، حتى الراديكالي منه، سوى ما تعلق ببيانات تضامن يتيمة،،
عند انطلاق الحراك الشعبي بالريف، سيوظف صالح لشخم تجربته الطلابية، وسيجعل من نضالات تلا رواق جزء من نضالات حراك الريف، رغم ان منطقة إساگن تنتمي لقبائل صنهاجة اسراير المختلفة من حيث الأصول واللغة عن باقي مناطق الريف الأوسط المتجانسة إثنيا ولغويا.

هذا الربط بين اعتصام فلاحي تلا رواق والحراك الشعبي بالريف، جعل قضية تلا رواق تعود بقوة، وتحظى باهتمام أقوى، لعل كثيرين يتذكرون اعتصام صالح ورفاقه أمام طائرة حلت بالمنطقة لتقل مسؤولين سامين، احتجاجا على استثنائهم من الحوار في موضوع يهم منطقتهم ومستقبل أرضهم.

بعدها، سيتلقى صالح لشخم دعوة لحضور اجتماع مع وزير الثقافة الذي هو ابن المنطقة في الحسيمة، لم يكن الأمر سوى طعما لاعتقاله، والحكم عليه بعدها بعشر سنوات.

وعلى خلاف ما وقع في مناطق أخرى استمر نضال فلاحي تلا رواق من أجل الإرض، ومن اجل إطلاق سراح صالح ورفاقه، استطاع صالح طيلة فترة قيادته لَمعتصم فلاحي منطقته، بث وعي نضالي بخلفية يسارية جذرية واضحة، و استطاع ان يخلق تقاليد نضالية هي التي ساهمت في تواصل الاحتجاجات بعد اعتقاله، يمكن أن نقول إن تجربة تلا رواق قريبة من تجربة “تماسينت”.

في نهاية الأسبوع الماضي تم تخليد الذكرى الثالثة للمعتصم بحضور الفلاحين وعائلات معتقلي الحراك ورفاق صالح من مواقع جامعية مختلفة ومناضلين مستقلين من مناطق عدة، وحدها تنظيمات اليسار كانت غائبة تناقش في ندوات مغلقة بالمركز أزمة اليسار.

كان جميلا عرض مسرحي غنائي تعبيري قدمه أطفال الفلاحين ذكورا وإناثا، مما يدل على أن اشياء كثيرة تتغير في الهوامش، لا ندركها نحن المصابون ببلادة المركز وكسله.

 

اظهر المزيد

Chamal Post

شمال بوست (Chamal Post | CP) موقع قانونيّ مسجّل تحت رقم 2017/06 جريدة بشعبة الحرّيّات العامّة بالنّيابة العامّة للمحكمة الابتدائيّة بطنجة بظهير شريف رقم 122.16.1 / قانون 88.13 المتعلّق بالصّحافة والنّشر 2013-2022

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى